الخليقة الجديدة في المسيح من مواعظ القديس أغسطينس

أوجِّهُ كلامي إليكم، أنتم الأطفالَ الذين وُلِدْتُم الآن، أنتم الصِّغارَ في المسيح، نسلَ الكنيسةِ الجديد، نعمةَ الآبِ، ثمرةَ الوالدة، النَّبتةَ الورِعَة، الغصنَ النَّضير، زهرةَ كرامتِنا وثمرةَ جهادِنا، فرحَنا وإكليلَنا، أنتم جميعًا الثَّابتين في الربّ.
    أكلِّمُكم بكلامِ الرَّسولِ فأقولُ لكم: "البَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ المَسِيحَ وَلا تُشغَلُوا بِالجَسَدِ لِقَضَاءِ شَهَوَاتِهِ" (روما 13: 14). اتَّشِحوا بالحياةِ التي وُهِبَتْ لكم بالسِّرّ. "فَإنَّكُم جَمِيعًا وَقَد اعتَمَدْتُم فيِ المَسِيحِ، قَد لَبِسْتُم المَسِيحَ. فَلَيسَ هُنَاكَ يَهُودِيٌّ وَلا يُونَانِيٌّ، وَلَيسَ هُنَاكَ عَبدٌ أو حُرٌّ، وَلَيسَ هُنَاكَ ذَكَرٌ وَأُنثَى، لأنَّكُم جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ" (غلاطيه 3: 27ء 28).
    هذه هي قوّةُ السِّرّ: فهو سرُّ الحياةِ الجديدةِ التي تبدأُ في هذا الزَّمنِ بمغفرةِ جميعِ الخطايا الماضيةِ وتبلغُ كمالَها في قيامةِ الموتى. "إنّما اعتمَدْنا معَه في موتِه، فدُفِنَّا معَه في موتِه بالمعموديّة، لتَسِيروا أنتم أيضًا في الحياةِ الجديدة" (ر. روما 6: 4).
    إنّكم تسيرون الآن بالإيمانِ، مع أنَّكم تسيرون بعيدِين عن الله، ما دُمْتُم في هذا الجسدِ المائت. إلا أنَّ الطريقَ أمامَكم واضحةٌ وأكيدة، وهو يسوعُ المسيحُ نفسُه الذي تَسعَوْن إليه، والذي تنازلَ وصارَ إنسانًا من أجلِنا. ولقد حَفِظَ عذوبةً كبيرةً لخائفيه، وسوف يُظهِرُها ويكَمِّلُها لمن وَضَعُوا فيه رجاءَهم، وذلك حينَ نحصلُ فعلًا على ما نِلْناه الآن بالرَّجاءِ فقط.
    اليومَ هو اليومُ الثَّامنُ لولادتِكم. اليومَ يكتملُ فيكم ختمُ الإيمانِ الذي كانَ يتِمُّ لدى الآباءِ في القديمِ بختانِ الجسدِ في اليومِ الثَّامنِ بعدَ الولادةِ الطَّبيعيّة. ولهذا فالرَّبُّ نفسُه إذ تجرَّدَ من موتِ الجسدِ بقيامتِه، وإذ أقامَ هذا الجسدَ نفسَه لا غيرَه والذي لن يموتَ بعدُ، ختمَ يومَ الأحدِ بختمِ قيامتِه، وهو اليومُ الثَّالثُ بعدَ آلامِه، وهذا اليومُ الثَّامنُ في عددِ أيّامِ الأسبوع بعدَ السَّبت، وهو أيضًا اليومُ الأوّلُ في الأسبوعِ الجديد.
    وأنتم تشاركون الآن في هذا السِّرّ، لا مشاركةً في أمرٍ حاصلٍ الآن، ولكنَّها مشاركةٌ أكيدةٌ على الرَّجاء، لأنّكم تَحمِلون في نفوسِكم السِّرَّ الضَّامنَ لهذا الشَّيءِ ولأنَّكم قَبِلْتم عُربونَ الرُّوحِ القدُسِ. ولهذا "فَأمَّا وَقَد قُمْتُم مَعَ المَسِيحِ، فَاسعَوْا إلَى الأمُورِ الَّتِي فِي العُلَى، حَيثُ المَسِيحُ قَد جَلَسَ عَن يَمِينِ الله. ارغَبُوا فِي الأمُورِ الَّتِي فِي العُلَى، لا فِي الأمُورِ الَّتِي فِي الأرضِ. هللويا. لأنَّكُم قَد مُتُّم وَحَيَاتُكُم مُحتَجِبَةٌ مَعَ المَسِيحِ فِي الله. فَإذَا ظَهَرَ المَسِيحُ الَّذِي هُوَ حَيَاتُكُم تَظهَرُونَ أنتُم أيضًا عِندَئِذٍ مَعَهُ فِي المَجدِ" (قولوسي 3: 1ء 4).

Commentaires