المجيء الثالث للمسيح. من مواعظ القديس برناردس رئيس الرهبان

 عرَفْنا ثلاثةَ أنواعٍ لمجيءِ المسيح. الثَّالثُ هو الوسَطُ بينَ الاثنَيْن. الاثنان معروفان وأما الثَّالثُ فغيرُ معروف. في المجيءِ الأوَّلِ ظهرَ يسوعُ على الأرض، وتكلَّمَ مع النَّاسِ فرأَوْه وسمعُوه، كما يَشهَدُ هو بذلك. في المجيءِ الثَّاني سوف "يَرى كلُّ بَشَرٍ خلاصَ الله" (ر. لوقا ٣: ٦)، "وسينظرون مَن طَعَنوا" (يوحنا ١٩: ٣٧). المجيءُ الوسَطُ مكتومٌ، وهو الذي يراه فيه المختارون وحدَهم فقط، يرَوْنَه في داخلِ أنفسِهم، فيَخْلُصون. في الأوَّلِ جاءَ المسيحُ بالجسدِ


وبمظاهرِ الضَّعف، وفي الوسَطِ بالرُّوحِ والفضيلة، وفي الأخيرِ بالمجدِ والجلال.

هذا المجيءُ الوسَطُ هو طريقٌ يَصِلُ بين الأوَّلِ والثَّاني. في الأوَّلِ كانَ المسيحُ فداءَنا، وفي الأخيرِ سوف يظهرُ حياةً لنا، وفي هذا الوسَطِ هو راحتُنا وعزاؤُنا.

وحتّى لا يَظُنَّ أحدٌ أنّ ما نقولُه في هذا المجيءِ الوسَطِ هو خيالٌ أو اختراع، اسمعوه يقول: "إذَا أحَبَّنِي أحَدٌ حَفِظَ كَلامِي فَأحبَّهُ أبي، وَنَأتِي إلَيهِ" (يوحنا ١٤: ٢٣). وقرَأْتُ في مكانٍ آخَرَ: ""الذي يتَّقي الرَّبَّ يعملُ الخيرَ" (ر. بن سيراخ ١٥: ١). ولكن قِيلَ أكثرُ من هذا في من يُحِبُّ، قِيلَ إنَّه "يَحفظُ كلامي". أين يَحفَظُه؟ لا شكَّ، في قلبِه، كما يقولُ النَّبي: "في قلبي حفِظْتُ وصاياك، لكي لا أخطأَ إليكَ" (ر. مزمور ١١٨: ١١).

هكذا احفَظْ كلامَ الله، وطوبى لمن يحفظونه. لِيَنفَذْ حتى أعماقِ نفسِكَ. لِيَملأْ مشاعرَك وأخلاقَك. تغَذَّ بالخيرِ فتَنْعمَ بالوفرةِ نفسُكَ. لا تنسَ أن تأكلَ خبزَك لئلا يَجِفَّ قلبُك، بل أشبِعْ نفسَك بالطَّعامِ الدَّسِمِ الوفير.

إن حفِظْتَ هكذا كلامَ اللهِ سيحفظُك هو من غيرِ شكٍّ. سيأتي إليكَ الابنُ مع الآب. سيأتي النَّبيُّ العظيمُ الذي يجدِّدُ أورشليم ويجعلُ كلَّ شيءٍ جديدًا. هذا ما يصنعُه هذا المجيءُ الوسَطُ: "كَمَا حَمَلْنَا صُورَةَ الأرضِيِّ فَكَذَلِكَ نَحمِلُ صُورَةَ السَّمَاوِيِّ" (١ قورنتس ١٥: ٤٩). وكما أنَّ آدمَ القديمَ كانَ في كلِّ إنسان، وحلَّ في الكلِّ، هكذا فَلْيشمَلْ المسيحُ كلَّ شيءٍ هو الذي خلقَ كلَّ شيء، وفدَى كلَّ شيء، وبه سوف يتمجَّدُ كلُّ شيء. 

(العظة في مجيء الرب،  1ء3: مجموعة المؤلفات، طبعة رابعة طبعة الرهبان الكرتوزيين (1966) 188ء190)

Commentaires