اعرف أيها المسيحي كرامتك

 أيها الأخوةُ الأحباءُ، اليومَ ولدَ مخلِّصُنا، فَلنَفرحْ ولنتهلَّلْ ! لا مكتنَ للحزنِ حيثُ ولدتِ الحياةُ، فأزالتِ الخوفَ من الموتِ، وغمرَتْنا بفرحِ الأبديةِ التي وعِدْنا بها .


لا يُمنعُ أحدٌ عن المشاركةِ في هذا الفرحِ . واحدٌ هو سببُ سرورنا جميعاً : وهو أنَّ الربَّ يسوعَ المسيحَ، مُبيدَ الخطيءةِ والموت، إذ لم يجدْ أحداً خالياً من الخطيئة، جاءَ ليُحررَ كلَّ البشر . ليتهللِ القديس، لأنهُ قريبٌ من الظفرِ . وليفرحِ الخاطئُ، لأنهُ مدعوٌ إلى الغفران . وليتشددِ الوثنيُّ، لأنهُ مدعوٌ إلى الحياةِ .


لما تمَّ الزمانِ الذي حدَّدتْه مشيئةُ اللهِ في عميقِ سرِّها الذي لايُستَقصىَ، اتَّخذَ ابنُ اللهِ الطبيعةَ البشريةَ ليُصالحَها معَ خالِقها، وليهزِمَ إبليسَ مُبدعَ الموتِ بالطبيعةِ نفسِها التي بها هَزَمَ الإنسانَ .


ولد الربُّ، فتهللَ الملائكةُ، وأنشدوا : " المجدُ للهِ في العُلى "، وبشروا " بالسلامِ في الأرضِ لذوي الإرادةِ الصالحة " . وقد رأوا أورشليمَ السماويةَ تمتلئُ بجميعِ الأممِ . فإذا فرحَ الملائكةُ في السماءِ كلَّ هذا الفرح، لِما صنعَ اللهُ بعظيمِ حبِّهِ، فكم بالأحرى يجبُ أن يفرحَ الإنسانُ في تواضعِه! وعليه، أيها الأخوةُ الأحباء، فَلنَشكُرَ اللهَ الآبَ بابنهِ في الروحِ القدس، لأنه رحِمنا برحمتهِ العظيمةِ التي أحبنا بها . " فمعَ أننا كُنا أمواتاً بزلاتِنا أحياناً مَعَ المسيحِ " (أفسس2: 5)، لنكونَ فيه خليقةً جديدةً، وصورةً جديدة .


لنضعْ عنا إذاً الإنسانَ القديمَ وأعماله (ر.أفسس4: 22)، وَلنُقلِعْ عن أعمالِ الجسدِ بما أننا صِرنا شركاءَ في سرِّ ميلادِ المسيح .


اعرفْ، أيُها المسيحيّ، كرامتكَ . صرتَ مشارِكاً في الطبيعةِ الإلهيةِ، فلا تَعُدْ بعدُ إلى ضلالِ سُلُوكِكَ القديم . بل تذكرْ من هوَ رأسُكَ، وفي أيِّ جسدٍ صِرْتَ عُضواً . تذكَّرْ أنكَ انتُشلتَ من سلطانِ الظُلُماتِ ونُقلتَ إلى نورِ اللهِ وملكوتِه .


بسرِّ المعموديةِ أصبحتَ هيكلاً للروحِ القدس . فلا تحملْ هذا الضيفَ الكبيرَ على الهربِ بسببِ أعمالكَ السيئةِ، فتعودَ مرةً ثانيةً إلى عبوديةِ الشيطانِ . ثَمَنُك هو دمُ المسيح .  

من مواعظ القديس لاون الكبير البابا.


العظة الأولى في ميلاد الرب، 1ء3: PL 54، 190ء193



Commentaires