سلاح المحبة, من مواعظ القديس فولجنسيوس الإفريقي الأسقف

  أمسِ احتفَلْنا بميلادِ ملكِنا الأزليِّ في الزَّمنِ. واليومَ نحتفلُ بآلامِ جنديِّهِ المظفَّرِ.

    أمسِ جاءَ مَلِكُنا مرتديًا طبيعةَ جسدِنا البشريِّ، متقدِّمًا من رِحابِ الأحشاءِ البتوليّةِ الطَّاهرةِ، وتنازَل فزارَ العالمَ. واليومَ خرجَ جنديُّه من هيئةِ جسدِه، وهاجرَ منتصرًا إلى السَّماءِ.

    صارَ مَلِكُنا من أجلِنا متواضعًا، مع كونِه العليَّ فوقَ كلِّ شيءٍ. ولكنَّه لم يقدِرْ أن يأتيَ فارغَ اليدَيْن. جاءَ ومعه هباتٌ كثيرةٌ لجنودِه. لم يأتِهم فقط بوَفرةِ الخيراتِ، بل أيَّدَهم بقوّةٍ لا تُغلَبُ في المعارِكِ. لأنَّه أغناهم بموهبةِ المحبّةِ التي تؤَدِّي إلى المشاركةِ في حياةِ الله.

    ما أتى به وزَّعَه. وبعدَ أن أعطى لم ينقُصْه شيءٌ. بل أغنى فقرَ المؤمنِين بصورةٍ عجيبةٍ، وبقِيَ هو مليئًا بالكنوزِ التي لا تَنفَدُ.    المحبَّةُ التي جاءتْ بالمسيحِ من السَّماءِ إلى الأرضِ، هي نفسُها رفعَتْ اسطفانس من الأرضِ إلى السَّماءِ. المحبَّةُ التي كانَتْ في المَلِكِ من قبلُ، هي نفسُها سطعَتْ في الجنديِّ من بعدُ.

    بسلاحِ المحبَّةِ استحقَّ اسطفانس أن ينالَ الإكليلَ (واسمُه اسطفانس يعني الإكليل). وبالمحبَّةِ نفسِها كانَ دائمًا ينتصرُ. بقوَّةِ محبَّتِه للهِ لم يتراجَعْ أمامَ اليهودِ الضَّاربِين، وبقوَّةِ محبَّتِه للقريبِ صلَّى من أجلِ راجمِيه. بالمحبَّةِ جادلَ الضَّالِّين ليُصلِحوا أنفسَهم، وبالمحبَّةِ صلَّى من أجلِ راجمِيه ليُجَنَّبوا العقابَ.

    بقوَّةِ المحبَّةِ انتصرَ على شاول الذي كانَ يضرِبُ (الكنيسةَ) بقَسوَةٍ. فمن كانَ مضطهِدًا له في الأرضِ، استحقَّ أن يكونَ شريكًا له في السَّماءِ. بالمحبَّةِ نفسِها، محبَّةٍ مقدَّسةٍ وصامدةٍ، طلبَ بالصَّلاةِ هَدْيَ من لم يقدِرْ على هَديِهم بالتَّنبيهِ والنِّقاشِ.

والآن يبتهجُ بولسُ مع اسطفانس. مع اسطفانس يَنعَمُ بضياءِ المسيح. ومع اسطفانس يتهلَّلُ. ومع اسطفانس يملِكُ. حيث سبقَ اسطفانس وقد قُتِل بحجارةِ بولس، جاءَ بولسُ تابعًا بفضلِ صلاةِ اسطفانس.

    هذه هي الحياةُ الحقيقيّةُ، أيُّها الإخوة، حيث لا يَرزَحُ بولسُ تحتَ وطأةِ الجريمةِ إذ قُتِلَ اسطفانس، وحيث يَفرحُ اسطفانس بمشاركةِ بولس. لأنَّ المحبَّةَ في كِلَيْهما تبتهجُ. فالمحبَّةُ في اسطفانس تغلَّبَتْ على قَسوَةِ اليهود، وفي بولس غطَّتْ جمهرةَ الخطايا. والمحبَّةُ في كلَيْهِما استحقَّتْ لهما بالتَّساوي ملكوتَ السَّماواتِ.

    المحبَّةُ هي إذًا ينبوعُ كلِّ شيءٍ ومصدرُ كلِّ الخيراتِ. هي المكافأةُ الكبرى، والطَّريقُ التي تؤدِّي إلى السَّماءِ. من سارَ في المحبَّةِ لا يقدِرُ أن يَضِلَّ ولا أن يخافَ. فهي تَهدِي وتَحمِي وتُوَصِّلُ.

    أيُّها الإخوةُ، المسيحُ هو الذي أقامَ سُلَّمَ المحبَّةِ الذي يستطيعُ به كلُّ مسيحيٍّ أن يصعدَ إلى السَّماءِ. احفَظُوا المحبَّةَ صافيةً نقيّةً، وتعاملوا بها. وتقدَّمُوا معًا في المحبَّةِ لتصعدوا معًا إلى السَّماءِ.



(العظة 3، 1ء 3 و5ء 6: CCL  91/أ، 905ء909)



Commentaires