يا للتنازل العجيب, للقديس غريغوريوس النازيانزي الأسقف

 كلمةُ اللهِ نفسُهُ. هو القديمُ، أقدَمُ مِن كلِّ الأجيال. هو غَيرُ المنظورِ وغيرُ المُدرَكِ وغَيرُ الجسديّ. هو المبدأُ المولودُ من المبدأ، والنورُ المولودُ من النور، وينبوعُ الحياةِ والخلودِ. هو صورةٌ أمينةٌ للمثالِ وخَتمٌ مطبوع، وصورةٌ كاملةُ الشَّبَهِ. هو غايةُ الآبِ وكلمتُه. يُبيِّنُ في ذاتِه صورتَه ومثالَه. اتخذَ جسداً ليُلخِّصَ الجسد. اتَّخذَ نفساً عاقلةً ليخلِّصَ نفسي، وليُطَهِّرَ المِثْلَ بِمِثلِه، فأخذَ على عاتِقِه كلَّ ما هو بشريٌّ، ما عدا الخطيئة. حَمَلَتْ به البتولُ في أحشائِها، وقد طهَّرها الروحُ نفساً وجسداً، (لتكونَ كريمةٌ لأنَّها وَلّدَتْ، وأكثرَ كرامةً لأنَّها بَقِيَتْ بتولاً). جاءَ اللهُ حقاً مع الطبيعةِ الإنسانيةِ التي اتَّخذَها، وأصبحَ كِياناً واحداً مكوَّناً من اثنين متعارضَيْن، أي الجسدُ والروح. أحدُهما أعطى الألوهيَّةَ، والثاني قَبِلَها.


الذي يُغني الآخرين صارَ فقيراً. لأنَّه رَضِيَ بجسدٍ فقيرٍ مثلِ جسدي، لأَبلُغَ أنا مِيزات ألوهيَّتِه. هو المالئُ كلَّ شيءٍ تجرَّدَ من كلِّ شيء. تجرَّد من مجدِه مؤَقَتاً، لأصيرَ أنا شريكاً في ملءِ مجدِه.



ما هذا الفيضُ من الصلاح؟ ما هذا السرُّ الذي أراه؟ قَبِلْتُ صُورةَ اللهِ ولَم أحافِظْ عليها. وهو، المسيحُ، اتَّخذَ جسداً مثل جسدي لِيُخَلِّصَني أنا الذي خلَقَني على صورتِه، ولِيُعيدَ الخلودَ إلى جسدي الفاني. هي مشاركةٌ ثانيةٌ بدأها معنا، وهي أعجبُ بكثيرٍ من الأولى.


بالطبيعةِ الإنسانيّةِ التي اتَّخذَها اللهُ كانَ يجبُ أن يحمِلَ القداسةَ إلى الإنسان. لِيَغلِبَ بقوَّتِه سيِّدَ العالمِ المستبدِّ ويحرِّرَنا، ويُعيدَنا إليه بوساطةِ ابنه، لِمَجْدِ اللهِ الآبِ مانحِ الخلاص، والذي أطاعَهُ الابنُ في كلِّ شيء.


جاءَ الراعي الصالحُ يبحثُ عن الخروفِ الضالِّ في الجبالِ والتلالِ التي كنْتَ تقدِّمُ عليها الذبائح. وقد بذلَ نفسَه في سبيلِ خرافِه. ولمّا وجدَ الخروفَ الضالَّ حَمَلَهُ على مِنكَبَيْهِ اللذَيْنِ حملَ عليهما خشبةَ الصليب، وأعادَه إلى الحياة الأبدية.


جاءَ النورُ الساطعُ بعدض المَشعَلِ السابقِ. جاءَ الكلمةُ بعدَ الصوتِ (صوتِ يوحنا السابق). جاءَ العروسُ بعدَ الصديقِ. رأى الشعبَ الذي خارَتْ قِواهُ، فطهَّرَه بالماءِ وقدَّسَه بالروح.


هذا ما صنعَ اللهُ لنا: أخذَ جسدَنا وماتَ لنحيا. ونحنُ مُتْنا معه لنَطهُرَ به. مُتْنا معه، فقُمْنا معه، ومعه نِلْنا المجدَ، لأننا قُمْنا معه.

Commentaires