بكر إخوة كثيرين من مواعظ القديس إسحق رئيس دير النجمة العظة 42






    كما أنَّ الجسدَ والرأسَ في الإنسانِ يكوِّنون إنسانًا واحدًا، كذلك ابنُ مريَم البتولِ وجميعُ أعضائِه الذين اختارهم، فإنّهم يكوِّنون إنسانًا واحدًا، هو ابنُ الإنسانِ الواحِد. يقولُ الكتابُ المقدَّسُ إنَّ المسيحَ الكاملَ والشَّاملَ هو الرَّأسُ والجسدُ. وفي الواقعِ، جميعُ الأعضاءِ هي جسدٌ واحدٌ، وهي مع الرَّأسِ تُكوِّنُ ابنَ الإنسانِ الواحد، وهو مع ابنِ الله ابنُ اللهِ الواحدُ، وهو نفسُه مع اللهِ إلهٌ واحِدٌ.
    ومن ثمَّ فإنَّ الجسدَ كلَّه مع الرَّأسِ هو ابنُ الإنسانِ وابنُ الله وهو الله. ولهذا قال: "أريدُ أن يكونوا واحدًا معنا، كما أنّي أنا وإيّاك واحدٌ، أيّها الآب" (ر. يوحنا 17: 21).
    فبحسبِ هذا النَّصِّ الشهيرِ من الكتاب، لا الجسدُ يكونُ من دونِ الرّأس، ولا الرَّأسُ من دونِ الجسد. ولا يكونُ الجسدُ والرَّأسُ، أي المسيحُ الكاملُ، من دونِ الله.
    فالكلُّ إذًا هو مع اللهِ إلهٌ واحدٌ. ولكنَّ ابنَ اللهِ هو إلهٌ من حيث الطَّبيعة. وهو ابنُ الإنسانِ من حيث شخصيّتُه البشريَّةُ وحدَها، وأمّا سائرُ الأعضاءِ أي جسدُه فهو متَّحدٌ به على الصُّورةِ الأسراريَّةِ.
    ولكنَّ الأعضاءَ المؤمنين المتبصِّرِين يمكنُهم أن يقولوا بكلِّ حقٍّ إنّ كلَّ ما له هو لهم، وأيضًا عندَ قولِنا إنه ابنُ الله وإنّه الله: فما له بحسبِ الطَّبيعةِ، هو لهم لأنّه أشركَهم في ما هو له. وما فيه امتلاءٌ وكمالٌ، هو فيهم بالمشاركة. وما هو له بحكمِ الولادة، فهو لهم بالتبنّي، كما كُتِب:  "تلقَّيتُم روحَ تَبَنِّي به تُنادون أبَّا، يا أبتِ" (ر. روما 8: 15).
    وبهذا فقد "مَكَّنَهُم الرُّوحُ أن يَصِيرُوا أبنَاءَ الله" (يوحنا 1: 12)، ليعلِّمَهم بعدَ ذلك واحدًا واحدًا هو "البكرُ بيَن إخوةٍ عديدين" أن يقولوا: "أبانا الذي في السَّماوات". وقالَ في مكانٍ آخَر: "أنَا صَاعِدٌ إلَى أبِي وَأبِيكُم" (يوحنا 20: 17).
    بقوّةِ الرُّوحِ نفسِه وُلِدَ ابنُ الإنسانِ رأسُنا من أحشَاءِ البتولِ الوالدة، وبه نُولَدُ ثانيةً في جرنِ المعموديَّةِ، أبناءً للهِ وجسدًا له. وكما أنّه هو بلا خطيئة، كذلك تُغفَرُ لنا جميعُ الخطايا.
    وكما حملَ في جسدِه البشريِّ على الصَّليبِ خطايا الجسدِ كلِّه، فقد منحَ الجسدَ الرُّوحيَّ بالولادةِ الثَّانيةِ النَّعمةَ حتى لا تُحسَبَ عليه خطيئة، كما كُتِب: " طُوبَى لِمَن لا يَحسَبُ الرَّبُّ لَهُ إثمًا" (مزمور 31: 2). هذا الرَّجلُ الطُّوباويُّ هو بلا شكٍّ المسيح. وهو من حيث إنّه المسيحُ الرَّأسُ فهو الله، ويَغفِرُ الخطايا. ومن حيث إنّه رأسُ الجسدِ، فهو إنسانٌ واحدٌ، ولا حاجةَ لأن يُغفَرَ له شيء، وكذلك الجسدُ للرّأسِ والمكوَّنُ من عديدِين، فلا يُحسَبُ عليه أيضًا إثم.
    هو البارُّ في ذاتِه، وهو نفسُه الذي يبَرِّرُ ذاتَه. هو المخلِّص الوحيد، وهو الوحيدُ الذي يخلِّصُ ذاتَه. حملَ في جسدِه لمّا عُلِّقَ على الصَّليب، ما أزالَه بماءِ المعموديّةِ عن جسدِه. خلَّصَ الإنسانَ بالصَّليبِ وبالماءِ. هو حملُ الله الحاملُ خطايا العالم. هو الكاهنُ والذَّبيحةُ معًا. وهو اللهُ المقرِّبُ ذاتَه لذاتِه، فصالحَ ذاتَه مع ذاتِه ومع الابنِ والرُّوحِ القدُس.

Commentaires