الراعي الصالح للقديس غريغوريوس النيصي في شرح نشيد الأنشاد

 أين ترعى، أيها الراعي الصالحُ، الذي تحملُ على منكِبيكَ القطيعَ كلَّه ؟ (لأن الطبيعةَ البشرية كلَّها هي مثلُ خروفٍ واحدٍ اتَّخذتَه فحمَلتَه على منكبيْك). دُلني على مكانِ راحتِك. قُدْني إلى المراعي الصالحةِ للغذاء. ادعُني باسمي، حتى أسمعَ صوتَك، فأنا خروفٌ بينَ خرافِكَ. وبصورتِكَ أرني الحياةَ الأبدية: "أخبرني، يَا مَن تُحِبُّهُ نَفسي" (نشيد ١: ٧).


نعم، بهذا أُسمِّيكَ، لأنَّ اسَمَكَ يفوقُ كلَّ اسمٍ وكلَّ فَهم، ولا تستطيعُ الطبيعةُ العاقلةُ كلُّها أن تتلفَّظَ به أو تفهمَه. بهذا الإسمِ أعرفُ صلاحَك، وفيه بهجةُ نفسي. كيف لا أُحبُّكَ، أنت الذي أحبَبْتَني، مع أني سمراء، حتى بذَلْتَ نفسَك في سبيلِ الخرافِ التي ترعاها؟ لا يمكنُ أن يُتصَورَ حبٌّ أعظمُ من هذا: أن تبذِلَ نفسَك بدلاً عني في سبيلِ خلاصي.


إنَّها تقول: أعلِمني إذاً أين تَرعى؟ حتى إذا وجَدْتُ مرعى الخلاصِ شبِعتُ من غذاءِ السماءِ الذي لا يُمكِنُ بدونِه دخولُ الحياةِ الأبدية، وأسرعتُ إلى الينبوعِ، فاستقَيْتُ الشرابَ الإلهيَّ الذي تُعطيه متدفِّقاً من الينبوعِ للظامئين، إذ تسكُبُ الماءَ من جنبِك المفتوحِ بالحربة. ومن ذاقَه صارَ "عَينَ ماءٍ يَتفَجَّرُ حَيَاةً أبديةً" (يوحنا ٤: ١٤).


فإنْ رعَيتني في هذه المراعي، سوف تُقيلُني عندَ الظهيرة، فأنامُ في سلامٍ وأستريحُ في النورِ الذي لا ظلَّ له. فالظهيرةُ، لا ظلَّ لها، حين تسطعُ الشمسُ عموديةً: هناك تُقيِلُ من تَرعى، عندما تَأوي أبناءَك معك في الفراش. لا أحدَ في الواقعِ يُعتَبرُ مستحقّاً لقيلولةِ الظهيرةِ إن لم يكُنْ ابنَ النورِ وابنَ النهار. فمن وقفَ على مسافةٍ متساويةٍ بين ظلامِ المساءِ والصباح، أي حيث يبدأُ الشرُّ وحيث ينقطع، يُقبلُه شمسُ البِرِّ في الظهيرةِ لينامَ فيها ويستريح.


إنها تقول: دُلني كيف يجب أن أرعَى وأَقيلَ، وما هي الطريقُ إلى قيلولةِ الظهيرة. لئلا أحِيدَ فأفِلتَ بسببِ الجهلِ من يدِكَ، فيضُمُّوني إلى القطعانِ الغريبةِ عن خرافِك.


هذا ما تقولُه الخليلةُ، وهي حريصةٌ على البهاءِ الذي وهبَها إياه الله، وتريدُ أن تَعرِفَ كيف تدومُ لها السعادةُ إلى الأبد.


Commentaires