ذبيحةُ الكنيسةِ ذبيحةٌ طاهرةٌ ومَرضيَّةٌ أمامَ الله . للقدّيس إيرنيوس

  إنّ ذبيحةَ الكنيسةِ التي علَّمَنا الرَّبُّ أن نقدِّمَها له في العالمِ كلِّه، هي ذبيحةٌ طاهرةٌ ومَرضِيَّةٌ أمامَ الله. ليس أنّه بحاجةٍ إلى ذبيحةٍ منّا، إلا أنّ مقدِّمَ الذَّبيحةِ هو نفسُه يُمَجَّدُ بما يقدِّمُ، إذا ما قُبِلَتْ تقدمتُه. بهذه القرابين نُظهِرُ إكرامنَا ومحبَّتَنا لله ملكِنا. وهو يريدُ أن نقرِّبَها ببساطةٍ ونقاوة ولهذا يقولُ لنا: "إذَا كُنْتَ تُقَرِّبُ قُربَانَكَ إلى المَذبَحِ وَذَكَرْتَ هُنَاكَ أنَّ لأخِيكَ عَلَيكَ شَيئًا، فَدَعْ قُربَانَكَ هُنَاكَ عِندَ المَذبَحِ وَاذْهَبْ أوَّلا فَصَالِحْ أخَاكَ، ثُمَّ عُدْ فَقَرِّبْ قُرْبَانَكَ"  (متى ٥: ٢٣ء٢٤).  يجبُ أن نقدِّمَ لله بواكيرَ خلائقِه، كما يقولُ موسى النَّبيّ: "لن تَحضُرَ أمامَ الربِّ إلهِك بأيدٍ فارغة" (ر. خروج ٢٣: ١٥). هكذا يعبِّرُ الإنسانُ لله عن شكرِه للخيراتِ التي منحَه إيّاها، فينالُ الكرامةَ التي تأتي من الله.

    الذَّبائحُ باقيةٌ مدى العصور لم تنقطعْ يومًا. كانَت تُقدَّمُ في الماضي، ومازالت تُقدَّمُ اليومَ أيضًا. الذَّبائحُ التي كان يُقدِّمُها الشَّعبُ، اليومَ تُقدِّمُها الكنيسة. إلا أنَّ النَّوعَ تغيَّرَ. لأنَّ مُقدِّمِي الذَّبيحةِ اليومَ ليسوا عبيدًا بل هم أحرار. الربُّ هو الله الأحدُ نفسُه. ولكنْ لذبيحةِ العبيدِ سمةٌ ولذبيحةِ الأحرارِ سمةٌ، وتَظهرُ في الذَّبائحِ سمةُ الحرّيّة. كلُّ شيءٍ أمامَ الله له معناه ومُؤدّاه: لا شيءَ أمامَه باطل. كانوا في الزَّمَنِ الماضي يقدِّمون عُشرَ أموالِهم، وأمّا الذين نالوا الحرِّيَّة فإنَّهم يُقَدِّمون كلَّ ما هو لهم لله، ويقدِّمونه طوعًا وبفرحٍ، يقدِّمون كلَّ شيء، وليس فقط بعضَ ما يملِكون، لأنَّهم يَرْجُون ما هو أسمى وأفضلُ، مثلَ الأرملةِ الفقيرةِ التي ألقَتْ كلَّ ما تملِكُ في خزانةِ الله.

    يجبُ إذًا أن نقدِّمَ القرابِينَ أمامَ الله، وأن نكونَ في كلِّ شيءٍ شاكرين للهِ صانعِنا. يجبُ أن نقرِّبَ له بواكيرَ خلائقِه، بنيَّةٍ صافيةٍ وإيمانٍ لا مراأةَ فيه، وبرجاءٍ ثابتٍ، ومحبَّةٍ متَّقدة. والكنيسةُ وحدَها هي التي تقدرُ أن تَرفعَ إلى اللهِ الخالقِ هذه التَّقدمةَ النَّقيَّةَ، فتقدِّمَ له ممّا هو له شاكرةً.

    نقدِّمُ له ممَّا هو له، ونَعِظُ بالوحدةِ والشَّركةِ، ونعترفُ بقيامةِ الجسدِ والرُّوح. فكما أنَّ الخبزَ الأرضيَّ، لا يبقى بعدَ الابتهالِ إلى الله والصَّلاةِ عليه خبزًا عاديًّا، بل يصيرُ إفخارستيا، ويصيرُ مركَّبًا من عنصرَيْن، أحدُهما أرضيٌّ  والثَّاني سماوِيٌّ، كذلك أجسادُنا، لا تبقى بعدَ أن تتغذّى بالإفخارستيا معرَّضةً للفساد، لأنَّها مملوءةٌ برجاءِ القيامةِ.


من كتاب القديس إيرنيوس الأسقف في الرَّدِّ على الهراطقة


(الكتاب 4 و 18، 1- 2 و 4 و5 : صC100، 596- 598 و606 و 610- 612)


Commentaires