أهمية "الإنظباط اللفظي" في الإعلام التونسي

 أهمية "الإنظباط اللفظي" في الإعلام التونسي

بقلم قبريانوس مريم

يعتبر الإنضباط فضيلة من الفضائل التي تزدان بها الشخصية القيادية، وهو أساسي في مهن عديدة على غرار الأمن و الجيش و الإدارة. و لعل أعلى مستوى من مستويات الإنضباط هو الإنضباط الفكري الذي يميز الفلاسفة و المفكرين إضافة للإنضباط اللفظي أي حسن إنتقاء الألفاظ لا فقط من باب المجاملات بل لتكون الألفاظ غير متعددة التأويل فتفضي إلى عكس ما كانت تعنيه و هذا ما نجده في القانون و الصحافة.

لقد لاحظ الرئيس قيس سعيّد عدة مرات للصحافة بضرورة ما أسمّيه "بالإنضباط اللفظي" أي بما تتلفّظ به الصحافة في مواضيع حساسة على غرار الدين. نجد مثلا أنه رفض إطلاق لفظ "مهرجان"  على "إحتفالات المولد النبوي الشريف في القيروان" إن إضفاء لفظ "مهرجان" على مثل هذه المناسبة الدينية فيها نوع من التقليل من قداسة هذه المناسبة يضفي إلى خلط بين المقدس و المدنس.

لاحظ الرئيس أيضا، غياب "الإنضباط اللفظي" في عبارة "الدولة دينها الإسلام" بقولته الشهيرة "مونوبري دينها الإسلام" ! إشارة منه أن الدولة بما هي مجموعة مؤسسات تشكل كائنا معنويا لا دين له بالضرورة و هذا يجعل من مقولة "الدولة دينها الإسلام" عبارة غير منطقية، و حذف هذه العبارة من الدستور لا يعني أن الدولة لا تحمي الدين و أن المجتمع غير متدين بل لدولة راعية للمجتمع بمقاصد الدين. طبعا حاول الإخوان تصوير الرئيس قيس سعيد كمعادي للدين، و لقد باءت جميع مساعيهم للفشل لأن نفاقهم و كذبهم قد إنفلق أمام الجميع كما ينفلق الصبح في فجر الدجى.

غياب الإنضباط اللفظي على مستوى المفاهيم قد يتسبب في كارثة حقيقية فكريا و سياسيا. و لعل أبرز هذه الأمثلة هي عبارة "الجالية اليهودية" التي صدّع بها الإعلام التونسي الرسمي آذاننا طيلة سنوات منذ العهد البورڨيبي.

عندما نقول "الجالية التونسية بفرنسا" فنحن نقر بأن فرنسا ليست بلد منشأ لهاته "الجالية" كما أن أفرادها حتى و إن حملوا الجنسية الفرنسية هم أساسا تونسيون ولا يحق لفرنسا فقط النظر في شؤنهم لأنهم ليسوا أحادي الجنسية.

تماما عندما يستعمل الإعلام الرسمي التونسي عبارة "جالية" فهو يقر دون تصريح أن هذه الفئة من المواطنين لا ينتمون بصفة كاملة لتونس و أنها ليست بلد منشئ لهم و ليست تونس فقط من تدير أمرهم بصفتها دولتهم و هم مواطنيها بل تتقاسم شاءنهم مع طرف آخر مجهول؟! نتيجة هذا اللفظ الكارثي