من مواعظ القديس أغسطينس الأسقف العظة 256

لنسبِّحْ الله الذي يخلِّصنا من الشَّرّ

    لِنُنشِدْ، هنا، هللويا، مع أنَّنا ما زِلْنا في الهموم، لِنتَمكَّنَ يومًا من أن نُنشِدَ، هناك، ونحن في أمان. ولماذا نحن، هنا، في الهموم؟ قد تقول: كيف تريد ألا أهتَمَّ عندما أقرأ: "ألَيسَتْ حَيَاةُ الإنسَانِ فِي الأرضِ تَجرِبَةً" (ر. أيوب 7: 1)؟ ألا تُريدُ أن أهتَمَّ عندما يُقالُ لي أيضًا: "اسهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلا تَقَعُوا فِي التَّجرِبَةِ" (متى 26: 41)؟ ألا تريدُ أن أهتَمَّ حين تَكثُرُ التَّجرِبَةُ بصورةٍ تأمرُنا معَها بالحَذَرِ الصَّلاةُ نفسُها التي نقولُ فيها: "وَأَعفِنَا مِمَّا عَلَينَا، فَقَد أعفَيْنَا نَحنُ أيضًا مَنْ لَنَا عَلَيْهِ" (متى 6: 12)؟ فنحن في كلِّ يومٍ طالِبون ومُطالَبون. أتريدُ أن أكونَ مطمئِنًّا وأنا في كلِّ يومٍ أطلُبُ المغفرةَ لخطاياي، والعونَ في المخاطِر؟ إذا قُلْتُ إنَّها من أجلِ الخطايا الماضية: "وَأعفِنَا مِمّا عَلَينَا، فَقَد أعفَيْنَا نَحنُ أيضًا مَن لَنَا عَلَيهِ" (متى 6: 12)، ولكنِّي أُضِيفُ فورًا وأَزِيدُ من أجلِ المخاطرِ المستقبَلة: "وَلا تُعَرِّضْنَا لِلتَّجرِبَةِ" (متى 6: 13). وكيف يكونُ الشَّعبُ في خيرٍ وأمانٍ عندما يَصرُخُ معي: "نَجِّنَا مِن الشِّرِّيرِ" (متى 6: 12)؟ ومع ذلك، أيُّها الإخوة، مع كلِّ هذه الشُّرور، لنُنشِدْ هللويا للإلهِ الصَّالِحِ الذي يُنجِّينا من الشِّرّير.
    نعم، هنا بين التجاربِ والمخاطرِ، لنُنشِدْ نحن ولْيُنشِدْ الجميعُ معنا، هللويا. لأنَّ "اللهَ أمِينٌ، فَلَن يَأذَنَ أن تُجَرَّبُوا بِمَا يَفُوقُ طَاقَتَكُم. بَل يُؤْتِيكُم مَعَ التَّجرِبَةِ وَسِيلَةَ الخُرُوجِ مِنهَا بِالقُدرَةِ عَلَى تَحَمُّلِهَا" (1 قورنتس 10: 13). ولهذا، لنُنشِدْ، هنا، هللويا. نعم، الإنسانُ خاطئٌ. ولكنَّ الله أمينٌ. لم يَقُلْ: "لن يأذنَ    أن تُجَرَّبوا" بل: "يُؤتِيكم مع التَّجربةِ وسيلةً للخروجِ منها بالقُدرَةِ على تحمُّلِها". ستدخلُ في التَّجربة. وسيجدُ اللهُ لك مخرجًا منها، لئلا تَهلِكَ فيها. مَثَلُكَ مَثَلُ إناءِ الفَخَّارِ، بالكلامِ تُسَوَّى وبالنَّارِ تُقَوَّى أي بالتَّجربة. ولكن عندما تدخلُ اعرِفْ أنَّ هناك مخرجًا. لأنَّ اللهَ أمين. "الربُّ يحرُسُكَ في دخولِك وخروجِك" (ر. مزمور 120: 8).
    سيصيرُ هذا الجسدُ يومًا غيرَ قابلٍ للموتِ وللفساد. إذّاك تزولُ كلُّ تجربة. إنَّ "الَجَسدَ مَيِّتٌ". ولِمَ هو ميِّت؟ "بِسَبَبٍ مِنَ الخَطِيئَة، وَلَكِنَّ الرُّوحَ حَيَاةٌ" ولماذا؟ "بِسَبَبٍ مِنَ البِرِّ" (روما 8: 10). أنترُكُ إذًا الجسدَ للموت؟ كلا، بل اسمَعْ ما يلي: "فَإذَا كَانَ الرُّوحُ الَّذِي أقَامَ يَسُوعَ مِن بَينِ الأموَاتِ حَالًّا فِيكُم، فَالَّذِي أقَامَ يِسُوعَ مِن بَينِ الأموَاتِ يُحيِي أيضًا أجسَادَكُمُ الفَانِيَةَ" (روما 8: 11). الجسدُ الآنَ حيوانيٌّ، وأمّا هناك فهو روحيٌّ.
    يا لَنشيدِ هللويا السَّعيدِ، هناك. يا لَلطُمَأنِينةِ والأمان، حيث لا خُصوم، حيث لا يكونُ أحدٌ عدُوًّا، حيث لا يُفقَدُ صديق. هناك يُسبَّحُ الله، وهنا يُسبَّحُ الله. ولكن هنا نسبِّحُه ونحن مهتَمُّون، وهناك ونحن مُطمَئِنُّون. هنا ونحن سائرون إلى الموت، وهناك ونحن أحياءٌ خالدون. هنا نُسبِّحُ على الرَّجاء، وهناك وقد تحقَّقَ الرَّجاء. هنا على الطَّريقِ، وهناك في الوطن.
    لنُنشِدْ إذًا، أيها الإخوة، الآنَ، لا أنَّنا بَلَغْنَا مُتعَةَ الرَّاحة، ولكن لِنَسنُدَ أنفسَنا في العَناء، مثلَما اعتادَ أن يُنشِدَ المسافرون. أنشِدْ وسِرْ. في النَّشيدِ سَنَدٌ لعَنائِكَ. لا تَكُنْ مُحِبًّا للكَسَلِ. أَنشِدْ وسِرْ. ما معنى سِرْ؟ تقدَّمْ، وتقدَّمْ في الصَّلاح. بحسبِ قولِ الرَّسولِ، هناك من يتقدَّمون إلى الأسوأ. أمّا أنتَ إذا تقدَّمْتَ، فهذا دليلٌ أنَّك تَسِير. تقدَّمْ  في الصَّلاح. تقدَّمْ في الإيمانِ القويم، تقدَّمْ في الأخلاقِ الحسَنة. أنشِدْ وسِرْ

Commentaires