من كتاب التفسير للقديس توما الأكويني في إنجيل يوحنا

الطَّريق المؤدِّيةُ إلى الحياة الحقيقيَّة

    الطّريقُ هو المسيحُ نَفسُهُ. مِن هنا قولُهُ: "أنَا الطَّرِيقُ" (يوحنا ١٤: ٦). وهذا أمرٌ واضِح، إِذ "لَنَا بِهِ جَمِيعًا سَبِيلٌ إلى الآبِ" (أفسس ٢: ١٨).
     وبما أَنَّ هذه الطّريقَ غيرُ بعيدةٍ عن الهدف، بل هي مُتّصِلةٌ به، أضافَ يسوعُ قائلا: "أَنا الحقُّ والحياة" (يوحنا ١٤: ٦). فهو نفسُهُ إذًا في الوقتِ عينِه الطّريقُ والهدف. هو الطّريقُ من حيث إنَّه إنسان، وهو الهدفُ من حيث إنَّه إله. فمن حيث إنَّه إنسانٌ يقولُ: "أَنا هو الطّريق"، ومن حيث إنَّه إلهٌ يقول: " أنا الحقُّ والحياة". فغايةُ الطّريقِ واضحةٌ جليَّةٌ من خلالِ هاتَيْن اللفظتَيْن.
     غايةُ هذه الطّريقِ هي غايةُ كلِّ رغبةٍ بشريّة. والإنسانُ يرغَبُ بصورةٍ خاصَّةٍ في أمرَيْن: يرغبُ أوّلًا في معرفةِ الحقيقة، وهذا أمرٌ خاصٌّ به. ويرغبُ ثانيًا في الحياةِ والبقاء. وفي هذا يشتركُ مع سائرِ الكائنات. والمسيحُ هو الطّريقُ الذي يؤدِّي إلى معرفةِ الحقيقة، بما أنَّه هو الحقيقة: " عَلِّمْنِي، يا رَبُّ، طُرُقَكَ فَأسِيرَ في حَقِّكَ" (مزمور ٨٥: ١١). والمسيحُ هو أيضًا الطّريقُ التي تؤدِّي إلى الحياة، بما أنَّه هو الحياة: " لَقَدْ بَيَّنْتَ لي يا ربُّ سُبُلَ الحياة" (ر. مزمور ٨٥: ١١).
    ومن ثَمّ فقد بيَّنَ غايةَ الطَّريقِ لمَّا قال: "الحقيقةُ والحياة". وهما وَصفان للمسيحِ كما جاءَ أعلاه. هو الحياةُ، ولهذا قالَ إنجيلُ القدّيس يوحنا: "فيه كانَتْ الحياة" (ر. يوحنا ١: ٤). وهو الحقُّ، ولهذا قِيلَ فيه إنَّه "نورُ النَّاس" (ر. يوحنا ١: ٩). والنّورُ هو الحقّ.
فإِذا كُنْتَ تُفتِّشُ عن الطَّريق فأَقبِلْ إلى المسيح، لأنّه هو الطَّريق: " هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ فَاسلُكُوه" (أشعيا ٣٠: ٢١). وقال القدّيس أغسطينس: "الإنسانُ هو الطَّريقُ المؤدِّي إلى الله". لأنَّه من الأفضلِ أن يسيرَ الإنسانُ في الطَّريقِ وهو يعرُجُ، من أن يسيرَ بعزمٍ وهو يسيرُ خارجَ الطَّريق. لأنَّ من سارَ وهو يعرُجُ، فإنَّه يقتربُ من الهدفِ ولو أنّه يَتَقَدَّمُ ببُطءٍ. أمَّا من سارَ خارجَ الطَّريقِ، فإنَّه يبتعدُ عن الهدفِ بقدرِ ما يسعى ويَجِدّ.
فإذا تساءَلْتَ: أين تذهبُ، اذهَبْ إلى المسيح، لأنَّه هو الحقيقةُ التي نرغبُ في الوصولِ إليها: "بِالحَقَّ يُتَمتِمُ فَمِي" (أمثال ٨: ٧). وإذا بحثْتَ عن مَقَرٍّ لكَ فامكُثْ مع المسيح، لأنَّه هو الحياة: "مَن وَجَدَنِي وَجَدَ الحَيَاةَ، وَنَالَ رِضًى مِنَ الرَّبِّ" (أمثال ٨: ٣٥).
فَامكُثْ إذًا مع المسيحِ، إذا أردْتَ أن تكونَ في أمان. معه لا يمكنُ أن تَضِلَّ الطَّريقَ، لأنَّه هو الطَّريق. ولهذا فالذين يمكثون مَعَهُ لا يسيرون خارجَ الطّريق، بل يسيرون في الطّريقِ المستقيم. ولا يمكنُ أن ينخدعوا، لأنَّه هو الحقّ. وهو معلِّمُ الحقِّ كلِّه. وقال هو نفسُه: "مَا وُلِدْتُ وَأتَيْتُ العَالَمَ إلا لأشْهَدَ لِلْحَقِّ" (يوحنا ١٨: ٣٧). وكذلك لا يَقدِرُ أن يُعكِّرُ صفوَه معكِّرٌ، لأنَّه هو الحياةُ ومانحُها، كما قال: "أتَيْتُ لِتَكُونَ الحَيَاةُ لِلنَّاسِ وَتَفِيضَ فِيهِم" (يوحنا ١٠: ١٠).
(فصل 14، درس 2)

Commentaires