بواكير القيامة في المسيح, القديس إيرنيوس الأسقف

 لهذا أصبحَ الكلمةُ إنسانًا، وابنُ الله أصبحَ ابنَ الإنسان، لكي يتمكَّنَ الإنسانُ المتَّحِدُ بالكلمةِ من أن يَصيرَ بالتَّبنِّي ابنَ الله.


  لم يكُنْ في مقدورِنا أن نشتركَ في اللافسادِ وفي الخلود، ما لم نتَّحِدْ باللافسادِ والخلود. وكيف كانَ بوُسعِنا أن نبلغَ نحن اللافسادَ والخلودَ ما لم يَصِرْ الخالدُ وغيُر القابلِ لأيِّ فسادٍ مثلَنا وفي الحالةِ التي نحن فيها، لِيَبتَلِعَ اللافسادُ ما هو قابلٌ للفسادِ، وليبتلعَ الخلودُ ما هو قابلٌ للموت، وبذلك حَصَلْنا على التَّبنِّي.


  هذا هو إذًا ابنُ الله ربُّنا وإلهُنا، هو كلمةُ الآب، وهو ابنُ الإنسان، لأنَّه وُلِدَ بحسبِ الطَّبيعةِ البشريَّةِ من مريمَ المولودةِ من إنسان، وهي نفسُها إنسان، وفيها صارَ ابنَ الإنسان.


  ولهذا أعطانا الرَّبُّ نفسُه آيةً في العُمقِ من تحت، وفي العلُوِّ من فوق، من غيرِ أن يطلُبَ الإنسانُ هذه الآية. لأنَّ ما حدثَ كان يستحيلُ على أيِّ إنسانٍ أن يتصوَّرَه أو يتوقَّعَه: بتولٌ تحمِلُ، وتَلِدُ ابنًا وتَبقى بتولًا. وهذا المولودُ هو الله معَنا، يتنازلُ فيهتَمُّ لشؤونِ هذه الأرض، ويبحثُ عن الخروفِ الضَّالِّ أي عن خليقتِه وصُنْعِ يدَيْه، ثمَّ يَصعدُ إلى الأعالي ليُقَدِّمَ لله الآبِ الإنسانَ الذي وجدَه وليَشفَعَ به. وهو يحقِّقُ في ذاتِه بواكيرَ قيامةِ الإنسان: فكما أنّ الرَّأسَ قامَ من بينِ الأموات، كذلك سيقومُ سائرُ الجسد. كلُّ إنسانٍ حيٍّ سيقومُ هو أيضًا بعدَ انقضاءِ فَترةِ الحكمِ عليه بسببِ مَعصيَتِه. ويعودُ عندئذٍ هذا الجسدُ واحدًا ملتئمًا بجميعِ مفاصلِه وأجزائِه، ويبلُغُ فيه كلُّ عُضوٍ كمالَ نُمُوِّهِ الذي يأتيه من الله، ويكونُ لكلِّ عُضوٍ في هذا الجسدِ المكانُ الذي يناسبُه ويَليقُ به، لأنَّ لدى الآبِ منازلَ كثيرةً كما أنَّ الأعضاءَ في الجسدِ هي كثيرة.


  لمّا أخطَأَ الإنسانُ أظهرَ الله سُمُوَّه وسماحَه، وسبقَ فحدَّدَ الانتصارَ الذي سوف يتحقَّقُ يومًا بالكلمة. وكما اكتملَتِ القوَّةُ من خلالِ الضُّعف، كذلك تجلَّى لُطفُ الله وحِلمُه السَّامي.




من كتاب  في الرَّدِّ على الهراطقة


(الكتاب 3،19،1و3- 20، 1: صC 34، 332و 336- 338)


 

Commentaires