أهمية الكرازة و الوعظ في الكنيسة للقديس لاورنسيوس من برنديزي

الوعظ مهمة رسولية

    من الضَّروريِّ أن نتغذَّى بخبزِ نعمةِ الرُّوحِ القدسِ ومحبّةِ الله، حتى نحيا حياةً روحيَّةً نشاركُ بها الأرواحَ الإلهيَّةَ والسَّماويَّةَ، وقد خلقَنا الله مِثلَهم على صورتِه ومثالِه. إلا أنَّ النِّعمةَ والمحبّةَ من دونِ الإيمانِ باطلةٌ، لأنّه لا يمكنُ أن نُرضِيَ الله من دونِ الإيمانِ. ولا يُمكنُ أن يُولدَ الإيمانُ من دونِ الكرازةِ: "فَالإيمَانُ إذًا مِنَ السَّمَاعِ، وَالسَّمَاعُ يَكُونُ سَمَاعَ كَلامِ المَسِيحِ" (روما 10: 17). فالكرازةُ بكلامِ المسيحِ إذًا ضروريَّةٌ للحياةِ الرُّوحيَّةِ، مثلَ ضرورةِ الزَّرعِ للحياةِ الجسديَّة.
    قالَ يسوعُ المسيح: "خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزرَعَ زَرعَهُ" (لوقا 8: 5). خرجَ الزَّارعُ أي المنادي بالبِرِّ. ونقرأُ أنَّ هذا المناديَ كانَ تارةً اللهَ نفسَه، عندما أعطى شريعةَ البِرِّ من السَّماءِ مشافهةً إذ كانَ الشَّعبُ كلُّه في الصَّحراء. وتارةً أخرى كانَ ملاكَ الرَّبِّ، لمّا أنَّبَ الشَّعبَ لمخالفتِه شريعةَ اللهِ في "مكانِ البكاء". وإذ سمعَ الشَّعبُ تأنيبَ الملاكِ رفعوا صوتَهم ببكاءٍ شديدٍ وقلوبٍ منسحقةٍ. وكان تارةً موسى الذي أعطى الشَّعبَ كلَّه شريعةَ الرَّبِّ في مرتفعاتِ موآب، كما يتَّضحُ ذلك من سفرِ تثنيةِ الاشتراع. وكانَ أخيرًا المسيحَ الإلهَ والإنسانَ الذي أتى ليعظَ بكلمةِ الله، ثم أرسلَ الرُّسُلَ للغرضِ نفسِه، كما كانَ قد أرسلَ الأنبياءَ من قبلُ.
    فالكرازةُ هي إذًا مهمّةٌ قام بها الرُّسُلُ والملائكةُ والمسيحُ واللهُ سبحانه. كذلك وصلَ إلينا كلامُ الله من صلاحِ الله بطُرُقٍ متعدِّدةٍ. كلامُ اللهِ هو كنـزُ جميعِ الخيراتِ. منه الإيمانُ ومنه الرَّجاءُ ومنه المحبّةُ، ومنه كلُّ الفضائلِ ومواهبُ الرُّوحِ القُدُسِ كلُّها، وجميعُ التَّطويباتِ الإنجيليّةِ، وجميعُ الأعمالِ الصَّالحةِ، وكلُّ استحقاقاتِ الحياةِ، وكلُّ مجدِ السَّماءِ: "تَقَبَّلُوا بِوَدَاعَةٍ الكَلِمَةَ المَغرُوسَةَ فِيكُم وَالقَادِرَةَ عَلَى خَلاصِ نُفُوسِكُم" (يعقوب 1: 21).
    كلمةُ الله هي نورٌ للعقلِ، ونارٌ للإرادةِ، بها يقدرُ الإنسانُ أن يعرفَ وأن يُحِبَّ. وللإنسانِ الباطنيِّ الذي يحيا بالنِّعمةِ بروحِ الله هي له الخبزُ والماءُ، بل خبزٌ أحلى من الشَّهدِ والعسلِ، وماءٌ أفضلُ من الخمرِ والحليب. هي للنَّفسِ كنـزُ الاستحقاقاتِ الرُّوحيَّةِ. ولهذا يقالُ فيها إنّها ذهَبٌ وحجارةٌ كريمةٌ. هي مِطرَقةٌ للقلبِ القاسي والعاصي في رذائلِه، وسيفٌ للجسدِ والعالمِ والشَّيطانِ يقتلُ كلَّ خطيئةٍ.

(العظة الثانية في الصوم: مجموعة المؤلفات 5، 1، رقم 48 و50 و52)

Commentaires